أخبار

​​​​​​​نُذُر حربٍ في القوقاز: بَصمات أردوغان على المدافع

بعد قرابة شهرٍ من المناورات العسكرية المشتركة التي أجرتها القوات التركية والأذرية، جرى خلالها استخدام مختلف الأسلحة العسكرية المتطورة التي زودت تركيا أذربيجان بها، اندلع تصعيدٌ غير مسبوق بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم آرتساخ/قره باغ، التصعيد الذي أبدى خطط واستعداد باكو المسبق، يحملُ دلالاتٍ واضحة حول مصلحة مشتركة من جانب الرئيسين التركي والأذري، في ظل الأزمات الداخلية التي تشتد ضدهما.

إن جولة الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في 13 تموز/يوليو الماضي بين القوات الأرمينية والأذرية، على الحدود مع آرتساخ/قره باغ، قبل ثلاثة أسابيع، مهدت للتوقعات بأن التصعيد المقبل بين الطرفين، مسألة وقت، خصوصًا من جهة أذربيجان التي تتغلب على أرمينيا في موازين العتاد العسكري.

وتشير تقارير صحفية إلى أن الرئيس الأذري إلهام علييف، يواجه أزمات فساد مركبة، طالته وجميع أفراد أسرته، وخاصة زوجته مهربان، وهي نائبة رئيس الجمهورية، وفي ظل هذه الأزمات، يرى علييف أن التصعيد مع أرمينيا، وإعادة إحياء دوافع النزاع القومية وغيرها من الشعارات، مسألة إلهاءٍ للرأي العام الداخلي عن وضعه.

في حين يتشارك مراقبون في تقدير حاجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من التصعيد الحاصل، إذ تمثل هذه الأزمة، مصدر إلهاء للرأي العام الداخلي التركي عبر الشعارات القومية والدينية، للتعمية عن الأزمات الداخلية التي يعيشها أردوغان، إذ تمثل أرمينيا، بالنسبة للحسابات التاريخية لتركيا، عدوًا تاريخيًّا، على خلفية قضية إبادة أكثر من مليون ونصف أرمني خلال الحرب العالمية الأولى على يد الدولة العثمانية.

إلى جانب ذلك، ينتمي الشعب الأذربيجاني، عرقيًّا، إلى الجنس التركي، سيما أن اللغة الأذرية تعدّ واحدة من أقرب اللغات إلى التركية.

ويعزز هذا الموقف، مسارعة تركيا إلى إعلان موقفها الداعم لأذربيجان، على ألسنة كثير من المسؤولين الأتراك. وأبرزهم، كان تصريح أردوغان، يوم الأحد، الذي هاجم أرمينيا، وكتب عبر (تويتر): “أرمينيا، التي أضافت عدوانًا جديدًا على عدوانها على أذربيجان، إنها أكبر تهديد أمام السلام والأمن في المنطقة”، مشيرًا إلى أنه أكد لنظيره الأذربيجاني، إلهام علييف: “أن تركيا ستواصل التضامن بقوة مع أذربيجان بمفهوم شعب واحد بدولتين”.

وتجاوزت تركيا التصريح إلى إرسال آلاف من المرتزقة السوريين الذين يعملون تحت إمرة تركيا إلى خط النار على حدود الإقليم، بحسب بيانٍ لوزارة الدفاع الأرمينية.

وكذلك، تزامن التوتر، بعد حالة الهدوء غير المتوقعة، التي خيمت على العلاقة بين اليونان وتركيا، على خلفية قضايا غاز المتوسط في بحرَي إيجة والأبيض المتوسط، ما يكشف عن تصعيدٍ تركي مخطط له على جبهة أرمينيا – أذربيجان، حول إقليم آرتساخ/قره باغ، ذي الأغلبية الأرمنية.

وتحاول تركيا، استثمار الاشتباك لصالحها، بما يتماشى مع طموحاتها التوسّعية، فبحسب مراقبين، ثمة أهدافٌ محتملة يحاول أردوغان تحصيلها من تأجيج الاشتباك، ومن ضمنها: محاولة الاستفادة من الوضع القائم من أجل الحصول على تسوية ما في المقابل مع روسيا في مناطق أخرى مثل سوريا وليبيا، وفي سياقٍ قريب، الانتقام من أرمينيا بطريقة ما، بعد أن نجحت يريفان في تحقيق اعتراف دول كبرى في العالم، بالإبادة العثمانية الجماعية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى.

ويقدر مراقبون أن التصعيد لن ينتهي سريعًا، وربما يتطور إلى حالةٍ أوسع من الراهنة، خصوصًا في ظل الدعم المطلق من تركيا لأذربيجان، التي لن تتراجع عن موقفها الحالي.

وإلى جانب الدعم التركي، هناك دعم إسرائيلي عسكري واستخباري واسع لأذربيجان، بما في ذلك طائرات التجسّس ذات التقنية العالية، إذ تمثل أذربيجان، موردًا نفطيًّا مركزيًّا لإسرائيل، حيث تزودها بـ 40% من استهلاكها السنوي، إلى جانب أنها من أكبر خمس حلفاء تجاريين لإسرائيل. 

ويخلص محللون سياسيون إلى أن فارق القدرات العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا، قد يدفع روسيا، إلى الدخول بشكلٍ مباشر في التصعيد، الأمر الذي سيضع روسيا في مواجهة التدخل التركي ومن ورائها الناتو، في وقتٍ تتعارض فيه السياسات الروسية – التركية في ليبيا وسوريا، وبشكل خاص في إدلب حيث يرفض الجانب التركي الانسحاب منها ومن بقية المناطق التي تحتلها.

وبحسب مراقبين، فإن قرار دخول الجيش التركي في التصعيد، قد يأتي سريعًا، إذ فوق كل الاعتبارات الماضية، تحتل أذربيجان، موقعًا استراتيجيًّا في القوقاز وبحر قزوين، وهي منطقة مهمة جدًّا بالنسبة لتركيا وخططها، إلى جانب سلسلة التحالفات المركزية بين تركيا وأذربيجان، مثل “المجلس التركي” الذي أنشئ عام 2009 ليضمّ عددًا من الدول الناطقة بالتركية، مثل قرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان واذربيجان، و”التحالف الثلاثي”، شمال شرق الأناضول، الذي يضمّ أذربيجان وجورجيا إضافة إلى تركيا، و”التحالف السداسي” الذي يضمّ إلى جانب الثلاثي السابق إيران وباكستان وتركمانستان.

ووفقًا للمراقبين، تهدف تركيا عبر التصعيد، إلى تقوّية نفوذ أنقرة في منطقة القوقاز، الحيوية والتي تمتدّ عبرها أنابيب الغاز وخط سكك الحديد على طريق الحرير وأنبوب نفط باكو – جيهان، بالإضافة إلى هوس التوسع الاستراتيجي الذي تسعى تركيا إلى تحقيقه، على جبهاتٍ مختلفة من العالم، فيما يعرف بـ”إحياء عظمة الدولة العثمانية”، وكذلك محاصرة إيران بمخطط أمريكي وتوتير الأجواء بالقرب من روسيا مستفيدة من دعم الناتو ضد روسيا.

المصدر: ANHA

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى