أخبارمقالات

 طلال محمد: عن زلازل الطبيعة والنظام والمعارضة

بعد سقوط نحو مليون قتيل، وتشرّد الملايين، وتدمير مئات الآلاف من المنازل، جرّاء زلازل الحرب الطاحنة في سوريا منذ 12 عاماً، جاءت الطبيعة بزلزال مدمّر أضافَ سواداً جديداً إلى المشهد المأساوي، ليضيفَ عدّة آلاف أخرى إلى قائمة الضحايا، وعدّة آلاف أخرى إلى قائمة التشرّد، وعدّة آلاف أخرى إلى قائمة الدمار، وكأن ليس من حقِّ هذا الشعب أن يرتاح قليلاً، أو كأن المقابر الجماعية التي “أنجزتها” قوات النظام وداعش وتركيا والفصائل التابعة لها، خلال سنوات الحرب، لم تكن كافية، ليفتح الزلزال أيضاً على طريقته مقابر جماعية إضافية تضم جثثاً مصفوفةً كانت يوماً ما تحلمُ بنهاية الحرب والعودة إلى الحياة.
كارثة السادسِ من فبراير/ شباط، لم تكن أقسى من الكوارث التي خلّفتها الحرب المستمرّة منذ 12 عاماً، هذه الحرب التي ابتلعت البشر والشجر والحجر، حتى باتت خارج التعاطف والاهتمام الدوليين، بسبب تعنّت طرفين لا يتقبّل أحدهما وجود الآخر، ولا يعترف أحدهما بالحوار مع الآخر، توحشّاً وصراعاً عبثياً على سلطةٍ وقودها الشعب المغلوب على أمره، وعلى أرضٍ أضحت مسرحاً لمصالح دولٍ وأجنداتها وتصفية حساباتها التاريخية ومعادلاتها السياسية المستقبلية.
جاءت الكارثة المدمّرة لتعلن جهراً حجم الوحشية التي بلغها طرفا الصراع في سوريا (النظام- المعارضة)، فبالرغم من أن الزلزال شمل مناطق خاضعة لسيطرة الطرفين، إلا أن تعاطيهما وتفاعلهما مع الكارثة، لم يكن تعاطي من يمتلك أدنى درجات المسؤولية، فينما كان الآلاف يواجهون الموت تحت الأنقاض، كان النظام يسعى للاستثمار سياسياً في الكارثة، رافضاً دخول المساعدات إلى المناطق المنكوبة مالم يتم ذلك عن طريقه، تحت ذريعة أن هذه المساعدات ستقع تحت سيطرة المسلّحين وبالتالي لن تصل إلى مستحقيها، محاولاً بذلك إلزام الدول المساعِدة على التعامل معه ما يمنحه شيئاً من “الشرعية” المفقودة، وأيضاً استعادته شيئاً من “الهيبة والسيادة” التي خسرها خلال سنوات الحرب، فضلاً عن إمكانية تصرّفه بالمساعدات المقدّمة بالصورة التي يريد، إلى جانب محاولته رفع العقوبات عن نظامه.
الطريقة البشعة التي تعامل بها النظام مع الكارثة، لم تختلف كثيراً عن طريقة فصائل المعارضة في التعاطي معها، إذ إنها سرعان ما لجأت إلى أسلوبها المعتاد في السلب، ناهبةً المساعدات المقدّمة لمناطقها المنكوبة، لتقدّم بذلك دليلاً إضافياً على أنها لا تبالي بمعاناة المنكوبين والمتضررين، وأنها ليست سوى عصابات هدفها السلب والنهب وليس بناء دولة ديمقراطية كما تدعي.
ربما الجهة الوحيدة داخل سوريا التي لم تسيّس قضية الزلزال ولم تحاول توظيفها سياسياً هي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إذ إنها سرعان ما أعلنت إنسانياً استعدادها لتقديم الدعم للمناطق المنكوبة وأرسلت قوافل مساعدات إغاثية إلى المعابر الحدودية مع مناطق النظام والمعارضة، إلا أن هذه القوافل بقيت أياماً تنتظر الدخول، بسبب رفض الطرفين استقبال أي نوع من الدعم من طرف الإدارة، وبالرغم من ذلك لم تتراجع الإدارة عن موقفها الداعم لمتضرري الزلزال، حيث سهّلت عبور مساعدات المبادرات الشعبية والعشائرية وأطلقت حملات لجمع التبرعات، في موقفٍ إنساني مشرّف يُحسب لها وسط حرب فقدت أبسط مبادئ الإنسانية لدى النظام والمعارضة.
في النهاية، ثمة سؤال يطرح نفسه: إذا كان النظام والمعارضة لا يتقبلان مساعدات إنسانية من الإدارة الذاتية لمناطقهما المنكوبة جراء الزلزال، فكيف سيتقبلان الحوار معها على طاولة سياسية واحدة للمشاركة في بناء وطن واحد؟.. هذان الطرفان لا يزالان بعيدين كل البعد عن ثقافة الحوار وتقبّل الآخر، ويبدو أن هذا البلد أمام المزيد من الكوارث بفعل هذه الذهنية الاقصائية التي لم تغيرها 12 عاماً من الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى