أخبارنشاطات

الأستاذ طلال محمد يلقي كلمة في المؤتمر الرابع لمجلس سوريا الديمقراطية

ألقى الأستاذ طلال محمد، رئيس حزب السلام الديمقراطي الكردستاني، كلمة في المؤتمر الرابع لمجلس سوريا الديمقراطية، المنعقد في مدينة الرقة بتاريخ 20 / 12 / 2023.
وفيما يلي النص كاملاً:
أيامٌ قليلة وندخلُ عاماً جديداً والسوريون يحملونَ حقائبَ تنطقُ بأسماء بلادهم، فواجعهم، بنادقهم، هوياتهم، طوائفهم، وأيضاً دموع أمهاتهم وهنَّ يودّعنَ قلوبهن صوب البحار التي التهمت من الأرواح بقدر ما التهمته البنادق.
حقائبٌ تروي قصص سياساتٍ فقدت الأخلاق في مستنقعات التعنّت والانتقام وتصفية الحسابات القديمة؛ سياساتٌ تجرّدت من كل ما هو إنساني وأخلاقي، لتسلكَ طرق القتل بمختلف تجلّياته وألوانه، دون اعتبارٍ لأي مبدأ إنسانيٍّ أو مبدأ قانوني دولي.
حقائبٌ تقولُ علانيةً دونما خوفٍ من شيء: «أردتُ الحريةَ يوماً، فتكاتفت عليَّ دول الحريات، لتبقيني في سجون الطغاة».
حقائبٌ تقولُ بلسان السنوات التي مضت: «لقد تعرّت كل الحقائق، تعرّى القانون الدوليُّ فظهرت عورة أكاذيبه. تعرّت الأمم المتحدة، فبانَ مدى قلقها الزائف حيال الشعوب المقهورة. تعرّت المفاهيم، والقيم، والثقافة، والحضارة. تعرّى كل شيءٍ، لتظهر حقائق الوجوه التي كانت تختبئ خلف الأقنعة».
ندخلُ عاماً جديداً، ولاشيء جوهري تغيّر في ساحة الصراع السياسي، التصريحاتُ الدوليةُ كما هي قبل أعوام، والوعود كما هي قبل أعوام، حتى الآن، لا جديةَ سوى جدية تلك البنادق البسيطة التي تحاربُ على ترابها دفاعاً عن قيم الحرية والكرامة والأخوّة، دفاعاً عن قيم الثورة التي لا تفرّق بين لغةٍ وأخرى، بين مكوّنٍ وآخر، بين قوميةٍ وأخرى، وبين ثقافةٍ وأخرى.
هذه البنادق التي جمعتنا على ارض كريمة محررة، لنتحاور، ونتناقش، ونجادل بعضنا البعض، لنتفق على مستقبل طالما حلم به الحالمون، لا أن نجتمع على أرض ليست بأرضنا، ولغة المصالح هي لغة النقاش.
مؤتمرٌ تلو مؤتمر، واجتماعٌ تلو اجتماع، ولاشيءَ، سياسياً، يمكنُ أن يصنّفَ كجديدٍ في إيجادِ حلِّ للأزمةِ السورية، لكن يمكنُ بكلِّ يسرٍ، بين يومٍ وآخر، أن نجدَ جديداً، سياسياً وعسكرياً، في تعقيدِ هذه الأزمة، فجميعُ أبوابِ التعقيد مفتوحةٌ على مصاريعها أمام المصارعين الإقليمييّن والدولييّن في هذه الحلبةِ التي نطلقُ عليها اسم «سوريا»، فيما نكادُ لا نرى ضوءاً واضحاً في الأفقِ القريب يوحي بحلٍّ شاملٍ مُرضٍ لجميعِ الأطراف، الداخلية منها والخارجية. كلُّ الذين دخلوا من الخارجِ إلى هذه الحلبة، نادوا: «الشعبُ السوريُّ هو الذي يقرّرُ مصيره»، ولكنَّ كلّ طرفٍ من هؤلاء حملَ ويحملُ تعريفاً وتصنيفاً معيّناً للشعب السوري، فالسوريُّ بالنسبةِ إلى تركيا يختلفُ كلَّ الاختلافِ عن السوريِّ الذي تعنيه روسيا، والسوريُّ الذي تقصدهُ السعودية ليسَ السوريَّ الذي تقصدهُ إيران، وكذلك الحال بالنسبةِ إلى كلِّ المصارعين الإقليمييّن والدولييّن داخلَ الجغرافيةِ السورية، أي أننا أمامَ جملةَ تصنيفاتٍ للسورييّن «الذين سيقرّرون مصيرهم!».. ترى أيُّ شعبٍ هذا الذي يقصدونهُ والذي سيقرّرُ مصيره؟!.
«الشعبُ الذي سيقرّرُ مصيره!» موزّعٌ الآن ما بين قتيلٍ وجريحٍ ولاجئٍ ونازحٍ ومحاصرٍ وخائفٍ ومنتظرْ، ولا علاقةَ له مطلقاً بما يُنادى باسمه، فالمؤتمراتُ الدوليّةُ التي تُعقدُ والاجتماعاتُ التي تُدار، لا يكون من نصيبِ الشعب فيه إلا المزيدَ من «الموت والدمار»، والفضلُ في ذلك (كلّ الفضل) يعودُ بالدرجةِ الأولى إلى النظامِ الذي اعتبرَ إحراق “سوريا” بيد ميليشياتٍ إرهابيّة خارجيّةٍ انتصاراً، وإلى التي سُميت بالمعارضةِ التي اعتبرت التنظيمات المتطرفة جزءاً من منظومةِ الدفاع عن قيمِ وكرامةِ وحريةِ السوريين في ثورتهم.
في ظلِّ هكذا نظام وهكذا معارضة، ليسَ من الغريب أن تتحوّلَ سوريا وشعبها إلى كرةٍ تتقاذفها المصالحُ الدوليّةُ بالصورةِ التي تريد، وليسَ من الغريب أن يُعقد، بين كلِّ فترةٍ وأخرى، مؤتمرٌ أو اجتماعٌ «ناقصٌ» تصدحُ فيه مصالح الدول وتخفضُ فيه مصلحة سوريا؛ تكثرُ فيه أصوات التعقيد وتقلُّ فيه أصوات الحل، وبإقصاءٍ متعمّدٍ للقوى السورية الديمقراطيّة كمجلس سوريا الديمقراطية صاحب المشروع الديمقراطيّ الأرقى والأكثر جدارةً بأن يكونَ حلاً لكلِّ السوريين على اختلاف مكوّناتهم وألوانهم.
هذه المؤتمراتُ المتشابهةُ إلى حدِّ الملل، ترفعُ في مجملها منذ بداية إطلاق أول رصاصةٍ في سوريا، شعارَ «الحل السياسي»، وهو حلٌّ يكادُ لا يُرى بالعينِ من كثرةِ الغبارِ المتصاعدِ من تحتِ أقدامِ المسلّحينَ و«المجاهدينَ» الذين هبّوا من كلِّ حدبٍ وصوب برعايةٍ دوليةٍ وإقليميةٍ مكشوفة، شعارُ «الحلّ السياسي» الذي صدحت ولا تزال تصدحُ به الدول ذات الشأنِ وما دون الشأن، هو «الفخُّ الأكبر» الذي جعلَ من سوريا أكبرَ تجمّعٍ للإرهابيين، وهو الذي أطالَ عمرَ الأزمةِ إلى الآن، وهو الذي حوّلَ هذا البلد إلى ساحةٍ تتمدّد فيه قوى وتتقلّص أخرى.. ولكن، كيف؟.. الدولُ جميعها وممثلو هذه الدول جميعهم تهتفُ ويهتفونَ باسم «الحل السياسي» في كلِّ مناسبةٍ تخصَّ جحيمَ سوريا، إلا أنَّ واقعَ الحالِ لا ينبئ بأي حلٍّ من هذا القبيل، ولا حتى برائحتهِ.
في الواقع، لا حلولَ سياسية جدية، ولا مؤتمراتَ جدية، وما نراهُ من اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ ليست سوى استراحاتٍ لمحاربين حول طاولاتٍ عسكريةٍ مكسوّةٍ بأقمشةٍ سياسية، وما نراهُ على أرضِ الواقع لا يعكس أي ملمحٍ من ملامح الحلول السياسية، بقدر ما يعكسُ قوةَ الرصاص في فرض نفسهِ كجزءٍ من المعادلة، وما على هذا الرصاص سوى أن يعرف كيف يتصرّف ومتى يُطلق وإلى من يُطلق. أي أن يعرف هذا الرصاص كيف يمارس السياسة!. والآن…. ما هو حلُّ النظام؟ وما هو حلُّ المعارضة؟.. وبصورةٍ أكثر دقة وصراحة: ما المشكلةُ التي يراها النظامُ حلاً؟ وما المشكلةُ التي تراها المعارضةُ حلاً؟.. النظامُ يريدُ امتلاكَ سوريا، قلباً وقالباً. والمعارضةُ تريدُ امتلاكَ سوريا، قلباً وقالباً. هذا هو المرضُ الذي يعلنهُ الواقعُ السياسيُّ والعسكريُّ لدى الطرفين. أمام هذه المعادلةِ البائسةِ التي لا يتنازلُ فيها أحدٌ ولو قليلاً، ما الذي يمكن أن تعنيهِ كلمة “التفاوض”؟.. بالتأكيد، كلمةٌ لا معنى لها، وقد تكونُ مضيعةً للوقتِ لدى الطرفين. وبمعنى آخر، إما أنا أو أنت، وبيني وبينك حربٌ مقدّسة!.. إنها العقليةُ نفسها، ولذلك فالمقدّماتُ والنتائجُ نفسها، ولا تغييرَ إلا في أساليبَ الحربِ والقتالِ بين الطرفين.
سياسةُ «الإلغاء» هذه، المدعومة من دولٍ عدّة، أعمت بصيرةَ الطرفينِ السياسيّة، عن إيجادِ أيِّ حلٍّ حتى الآن، بل أعمت بصيرتهم أيضاً عن أيِّ مقترحٍ قد يطرحهُ طرفٌ سوريٌّ آخر، كالطرحِ الذي تراهُ القوى السياسية في شمال وشرق سوريا كأفضلِ حلٍّ للجميع، والمتمثّل في مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تثبتُ الوقائعُ وتطوّرُ الأحداثِ، يوماً بعد آخر، بأنه الحلّ المناسب الذي يمكنُ أن يكونَ دواءً شافياً للمرضِ السوري.
في النهاية، لا يمثّل السوريين إلا من ينطق باسم بمصالحهم وآمالهم وتطلعاتهم، وليس باسم ما تقتضيه مصالح الدول الداعمة كتركيا مثلاً. ونحن كحركة سياسية ديمقراطية سوف نسعى جاهدين لتحقيق تطلعات الشعب السوري وتحرير سوريا من براثن الإرهاب والدكتاتورية من خلال مشروعنا الديمقراطي للوصول إلى تأسيس جمهورية سوريا الديمقراطية من خلال عقد مؤتمر للسلام والحل الديمقراطي السوري، مهمته القيام بعملية التحول الديمقراطي الذي سيخلق وطنا ديمقراطيا مشتركا للجميع، سوريا الديمقراطية التي يعيش فيها المواطن الفرد الحر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى