أخبار

حكومة دمشق تحوّل الآلاف إلى عاطلين عن العمل بحجة تجميل المدن

لاقى قرار حكومة دمشق ملاحقة أصحاب البسطات وإزالتها تحت ذريعة تجميل المدن، ردود فعل منددة من قبل الأهالي، مشيرين إلى أن هذه الحملة ساهمت في تحويل الآلاف إلى عاطلين عن العمل، وتسبّبت بمنع الكثير من الأسر من تأمين قوت يومها، مؤكدين أن الهدف هو زيادة ثراء مسؤولي ومؤسسات الحكومة.

ما زالت لعبة الكرّ والفرّ بين دوريات محافظة دمشق وأصحاب البسطات في الساحات المكتظة من العاصمة دمشق حديث البلد، والمظهر الرائج بعد مرور نحو شهر من قرار محافظ دمشق طارق كريشاتي بأنه لن يتهاون مع البسطات المخالفة، وتجميل المدينة أولوية.

وبدأت الآليات بحملة تمشيط لبسطات شارع الثورة والبرامكة، وحرمت أكثر من 20 ألف بسطة من قوت يومها، وقد زادت ظاهرة البسطات في دمشق بنسبة 6 أضعاف عما كانت عليه قبل الحرب السورية، حسب تقارير اقتصادية وارتفعت نسبة العاطلين عن العمل إلى حدود 60% .

وعند التجوّل في العاصمة دمشق، سيقع نظرك على آليات ومركبات على أهبة الاستعداد لإزالة البسطات الهشة بأوامر من محافظة دمشق، معلنة الحرب على الطبقة المسحوقة من المجتمع السوري التي تعتلي الأرصفة.

وعلى الرغم من الاعتراضات والانتقادات التي طالت هذا القرار من أصحاب البسطات فلا حياة لمن تنادي، ولا استجابة وإنما استمرار في حملة الإزالة، فما كان من بعض أصحاب البسطات إلا افتراش الأرصفة من جديد، ضاربين عُرض الحائط بالقرارات غير المدروسة التي تُنهك وتثقل كاهل المواطن في ظل أزمة اقتصادية لا حلول لها على المدى المنظور.

بضاعة البسطات مقبولة نسبياً من ناحية الأسعار، بالمقارنة مع المحال الرسمية، ويقول خبراء اقتصاديون: “إن البسطات تعد واحدة من أشكال اقتصاد الظل، الذي يُعرف بأنه يشمل جميع الأعمال والأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها الأفراد أو المنشآت ويحصلون من خلالها على مكاسب مادية دون أن تخضع للنظام الضريبي”.

ومع كل هذا لم تكن ردود فعل المحافظة كما يجب أو تراعي الحالات الإنسانية، فالمجابهة بتنظيف المنطقة من البسطات دون مراعاة لأحوال الناس والفقر الذي يعج أرجاء العاصمة دمشق، فالطبقة الفقيرة تشكل 93 %، وتراوح بين الفقر المتوسط والمدقع وأما الطبقة الأخرى من الأثرياء التي ظهرت بعد الحرب وهم حيتان الأسواق تمثل نسبة 5%.

وفي لقاء مع أحد أصحاب البسطات في دمشق الذي يجلس خلسة، قال عن قرار إزالة البسطات: “إن القرار مجحف بحق أصحاب البسطات وخاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، المواطن العادي لا يستطيع شراء احتياجاته ذات السعر المرتفع المعروضة على واجهات المحال، فراتب الموظف لا يتجاوز 100 ألف ل.س، وصاحب البسطة يُخفض السعر حسب طلب الزبون”.

وعند السؤال عن سبب وجوده في ظل هذه الحملة أجاب: “جلست في منزلي مدة أسبوع وبدون عائد مادي، مصروفي نحو 600 ألف ل.س وأسرتي مكونة من 7 أفراد، وهذا المصروف مع تقشف كبير في الاحتياجات، وعندما أرى هناك خطراً على بضاعتي أهرب، وأعتقد أن هذه الحملة المكثفة لثراء المحافظة من مال التراخيص التي من الصعوبة الحصول عليها، فنحتاج إلى مال وواسطة وهذا غير متوفر”.

وفي ظل الوضع المعيشي الذي يشهده المواطن، لا تراعي حكومة دمشق انخفاض القدرة الشرائية مع الرواتب الزهيدة وغلاء في الأسعار، فوفقاً لإحصائيات أجريت بالتعاون بين المكتب المركزي للإحصاء وبرنامج الغذاء العالمي “نحو 8.3 في المائة من الأسر تعاني من انعدام شديد بالأمن الغذائي، و47.2 في المائة يعانون من انعدام متوسط، في حين يتمتع نحو 39.4 في المائة بأمن غذائي مقبول، ولكنهم معرضون لانعدامه مع أي صدمة تتعلق بارتفاع الأسعار”.

وفي تعليق لبائع موسمي للتمر هندي في دمشق، قال: “أصدرت المحافظة هذا القرار لتنظيم عمل البسطات، ونقلتها إلى مكان آخر، مترافقة بالتراخيص. وقد أُصدر هذا القرار بدون توفير البديل المناسب كما فعلت سابقاً في محال التكية السليمانية، فقطعت أرزاق الناس وحرمتهم من لقمة العيش، وأرى أن باعة البسطات سيعودون رغم كل الضغوطات التي يتعرضون لها من المحافظة. المواطن يريد أن يعيش، ويستذكر أن البسطات في الماضي كانت محددة في أماكن قريبة من المارة بشكل منظم، وهناك نواحٍ إيجابية لبائع البسطة فهو يحمي حارته وأولاد منطقته ويوفر الأسعار بشكل مخفض”، ورأى أبو عبدو بائع التمر هندي أن عدم توفر بديل لبائعي البسطات ينشر الفوضى ويزيد من الوضع المعيشي المتردي للمواطن ولا ينتج حل يفيد المواطن.

وبدورها، بائعة خضار متجولة (تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية)، قالت: “إن قرار إزالة البسطات يترافق مع زيارات دبلوماسية إلى سوريا بحجة تجميل دمشق، وأعتقد أن قرار إزالة البسطات بشكل مفاجئ فيه ظلم للمواطن الفقير، ولقمة العيش أهم من أي زيارات وسياحة وأي مظاهر فارغة، ففي أي مكان في العالم يوجد باعة متجولون، وهذا الأمر ليس بالمعيب”.

الشارع في دمشق الآن يترقب عودة البسطات، فلا سبيل لتدارك تداعيات هذا القرار مع وعود مؤجلة ولا تمت للمصداقية بصلة، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار لن تحتمل الأسر التي تعيش من مردود البسطات قرارات تزيد الوضع بؤساً وقسوة.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى