طلال محمد: الوحدة الكرديّة ضرورة وجوديّة

حينما يتفرّقُ الصفُّ، تتساقطُ الهيبةُ وتضعفُ القوةُ، ولكن عندما تتماسكُ الشعوبُ وتتوحدُ إرادتُها، تغدو قوةً لا تُقهر.. الأعداءُ يسعونَ جاهدينَ لزرعِ الفتنِ والنزاعات، لأنها تفتحُ لهم أبوابَ النفوذِ والتحكُّمِ والانقضاض، والوحدةُ هي الردُّ الطبيعيُّ على هذه المخططات، إذ تشكّلُ جبهةً متينةً تحبطُ كلَّ محاولاتِ التفكيك، فالوحدةُ أساسُ الاستقرارِ وأداةُ الدفاعِ الأولى في معركةِ الحريةِ والكرامة، وبدونِها لا يمكنُ مواجهة المخططاتِ والتحدياتِ بثقةٍ وعزم.
في الحالةِ الكرديّة، تقولُ تجاربُ التاريخِ إنَّ الشعبَ الكرديَّ لا يملكُ سلاحًا أقوى من وحدتِه، ولا درعًا أصلبَ من تماسكِ حركتِه السياسية، فالحقوقُ لا تُنالُ عبر نداءاتٍ متفرّقةٍ ولا عبر مواقفٍ متباينة، بل من خلالِ وحدةِ الصفِّ، ووحدةِ الرؤيةِ، ووحدةِ الهدف، وما الأثمانُ الباهظةُ التي دفعها الشعبُ الكرديُّ عبرَ التاريخِ إلا نتيجةُ التشرذمِ والانقسام، وما الحلُّ إلا في تجاوزِ الاعتباراتِ الفئويّةِ أو الحزبيّةِ والارتقاءِ إلى مستوى المسؤوليّةِ القوميّة.
في الحالةِ الكرديّة، الوحدةُ لم تكنْ ولن تكونَ مجردَ حالةٍ أو ضرورةٍ سياسيّة، إنما هي ضرورةٌ وجوديّةٌ في ظلِّ أنظمةٍ سعتْ ولا تزالُ تسعى لطمسِ الهويةِ وإضعافِ صوتِ الشعبِ الكرديِّ وحركتِه السياسيّةِ في المحافلِ الدولية.. من دونِ شكٍ، يرتعدُ الأعداءُ أمامَ مشهدٍ كرديٍّ موحَّد، لأنهم يدركونَ أنَّ هذه الوحدةَ تعني نهايةَ زمنِ الاستضعافِ وبدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ من الحضورِ السياسيِّ الفاعل، لذا، فبقدرِ ما نكونُ موحَّدينَ، بقدرِ ما نقتربُ من تحقيقِ حلمٍ طالَ انتظارهُ، وهو الاعترافُ بالشعبِ الكرديِّ كأمّةٍ لها مكانُها ومكانتُها، حرةً، كريمةً، وسيدةَ قرارِها.
في سياقِ الوحدةِ المنشودةِ، جاء “كونفرانسُ وحدةِ الصفِّ والموقفِ الكرديِّ في روج آفا” حاملاً معه أملاً ومطلبًا شعبيًا كرديًا طالَ انتظارهُ، فهذا الكونفرانس لا يمكنُ اعتبارهُ مجردَ لقاءٍ بينَ أحزابٍ كرديّةٍ فحسبُ، بل هو تجلٍّ حيٍّ لإرادةِ شعبٍ قرّر أن يوحّدَ صوتَه بعد طولِ انقسام، إنه إعلانٌ واضحٌ بأن الكردَ في روج آفا باتوا أكثرَ وعياً بأنَّ الخلافَ سلوكٌ لا يحتملهُ زمنُ المواجهاتِ الكبرى. نعم، لقد توحدتْ الصفوفُ، وارتفعتْ الهاماتُ، وتعانقتْ القلوبُ على أملٍ مشترك، وارتفعتْ رايةُ التلاقي فوقَ راياتِ الانقسامِ، وتقدّمتْ المصلحةُ القوميّةُ على الخلافاتِ الحزبيّة، فكانت الفرحةُ عارمةً، صادقةً، نابضةً من عمقِ الشعبِ الكرديِّ الذي أنهكتهُ التفرقةُ، ليجدَ في هذا الكونفرانسِ بصيصَ مستقبلٍ يليقُ بتضحياته.
في ظلِّ الضغوطِ العسكريّةِ والسياسيّةِ التي تستهدفُ إضعافَ الإرادةِ الكرديّةِ، تأتي هذه الوحدةُ كدرعٍ صلبٍ يحمي المكتسبات ويعزّزُ من قدرةِ الكردِ على التصدي للمؤامراتِ، إنها استراتيجيةٌ حاسمةٌ في تعزيزِ الجبهةِ الداخليّةِ وحمايةِ الحقوقِ وتحقيقِ تطلّعاتِ الشعبِ الكرديِّ نحو الحريةِ والعدالةِ والديمقراطيّةِ، فمع التنسيقِ السياسيِّ والتلاحمِ الاجتماعيِّ، تزدادُ القدرةُ على مواجهةِ الضغوطِ العسكريّةِ والسياسيّة، وترتفعُ القدرةُ على الحمايةِ وتوسيعِ مساحةِ التأثيرِ، وترتفعُ حدّةُ الصوتِ ليصبحَ أكثرَ استماعًا وإقناعًا وتأثيرًا في الداخلِ والخارجِ على حدٍّ سواء.
الآن يمكنُ للكردِ أن يطرحوا رؤيتهم السياسيّةَ بصلابة، والآن يمكنهم تقديمَ مطالبهم المشروعةَ بوضوح، والآن يمكنهم التأكيدَ على دورهم في بناءِ سوريا ديمقراطيّةٍ تعدديّةٍ تحترمُ حقوقَ جميعِ المكوناتِ بعيدًا عن محاولاتِ الإنكارِ والتهميشِ، والمضيِّ قدمًا نحو تحقيقِ واقعٍ أفضلَ في المنطقةِ.