مقالات

طلال محمد – الإدارة الذاتية من المحرّمات

ليسَ غريباً مطلقاً أن يظهرَ وجهٌ من وجوهِ النظامِ السوريِّ عبرَ وسيلةٍ إعلاميّةٍ مقرّبةٍ من دائرتهِ الصدئةِ ليقولَ إن الإدارةَ الذاتية من المحرّمات، في إشارةٍ مستفزةٍ وفظّةٍ إلى استحالةِ القبول أو الاعتراف بالإدارةِ الذاتيةِ القائمةِ ديمقراطياً في شمالِ وشرقِ سوريا، بل ربما يكونُ غريباً إن تلمّسنا من أحدِ وجوهِ هذا النظام خلافَ ذلك، فنحنُ كسوريينَ على نحوٍ عامٍ، وككردٍ على نحوٍ خاصٍ، معتادونَ في كلِّ شهقةٍ سياسيةٍ، صغيرةً كانت أو كبيرة، على هكذا لغة وهكذا خطاب وهكذا مفردات، فالأمرُ ليس جديداً على الإطلاق.
إنَّ نظاماً قضى جلَّ عمرهِ السياسيِّ والزمنيِّ على حدٍّ سواء في قمعِ كلّ ما هو مخالفٌ- ولو بقدرٍ يسيرٍ- لمنظومتهِ السلطويةِ الاستبداديةِ الأمنيةِ الدمويةِ، لا يُتوقعُ منه غيرَ السوء، وغيرَ المراوحةِ في إطارِ الذهنيةِ التي رضعَ من حليبها وترعرعَ تحت جناحيها. إنَّ نظاماً هرماً متألهاً على كرسيِّ الحكمِ، لا يمكنُ أن يسمحَ لحدقتي عينيه بالنظرِ إلى الشعبِ أو الشعوبِ إلا كعبيدٍ أو قرابين تحت الطلب، ولا يمكنُ أن يخفضَ رأسهُ الشبيهُ بالسجنِ قيدَ أنملةٍ للإصغاءِ إلى صوتِ الشعبِ، فلا صوتَ يعلو على صوتهِ، ولا صوتَ يستحقُّ- وفقَ منطقهِ- الإصغاء.
إن كانَ الأمرُ كذلك، فكيفَ يمكنُ أن تكونَ ردّةَ فعلهِ إن طالبَ الشعبُ بحريتهِ، أو قرّرَ أن يحكمَ نفسهُ بنفسهِ بصورةٍ من صورِ الديمقراطيةِ في الحكم؟!.. بالتأكيد، لن يكونَ الرفضُ الشفويُّ سيدَ الموقف، إنما للبنادقِ لسانها وللدباباتِ لغتها وللسجونِ أبوابها، لاسيما حينَ تكونُ هناك أنظمةً شبيهةً تعاضدُ هذا النظام وتساندهُ في شرعنةِ جرائمهِ وتبريرِ انتهاكاتهِ كما لو أننا في غابة.
حقيقةً، لا تفاوضَ ولا حوارَ في القواميسِ السياسيةِ لهذا النظامِ الذي يتنفّسُ برئتي الاستبداد، فهاتينِ المفردتينِ الجميلتينِ تستدعيانِ نوعاً من الانفتاحِ والتقبّلِ حتى تتمكّنا من رؤيةِ النورِ على الطاولة، وهو أمرٌ يفتقرُ إليهِ هذا النظام أكثرَ من افتقارهِ إلى أيِّ شيءٍ آخر، والمسألةُ لا تحتاجُ إلى أدلةٍ ومعادلاتٍ وبراهين؛ فالأعوامُ التسعةُ من المقتلةِ السوريةِ كافيةٌ لإعلانِ أن لا تفاوضَ ولا حوارَ في جعبتهِ السياسية، إنما الرضوخ والاستسلام هما المرادفانِ البديلانِ لدى هذا النظام، كما ظهرَ ذلك جليّاً في مناطقَ سورية عدّة، عبرَ تسمية “المصالحات”.
ترى لماذا هذا التعنّتُ والعنادُ لدى هذا النظام؟ ولماذا يعادي الحريةَ والديمقراطيّةَ إلى هذا الحد؟.. باختصار، لأنَ الحريّةَ والديمقراطيّةَ تعنيانِ نهايته، لذا، فهو يستميتُ في الدفاعِ عن وجودهِ وبقاءهِ واستمراريتهِ بشتّى صورِ الشراسةِ والقمع، وبشتّى أنواعِ الشعاراتِ المخادعةِ التي انطلت ولا تزال تنطلي على مؤيديه، وبشتّى أشكالِ الاتهاماتِ التي دسّها في رؤوسِ مؤيديه طيلةَ أعوامِ حكمهِ، مثلَ تهمةَ “الانفصال” التي استخدمها جزافاً ولا يزالُ يستخدمها ضدَّ الكردِ السوريين، كلما حاولوا رفعَ رؤوسهم وأصواتهم قليلاً.
أخيراً، ماذا نتوقّعُ من هكذا نظام سوى القولَ بأن الإدارة الذاتية من المحرّمات؟!. أمام هذه المعادلة، ليسَ بوسعنا سوى الردَّ بالقول: إن كانت الإدارة الذاتية في نظركَ من المحرّمات، فهي في نظرنا قرارٌ جماعيٌّ ديمقراطيٌّ تشاركيٌّ حرٌّ باتَ من الخطوطِ الحمراء، فمكوّنات شمال شرق سوريا اتّخذت قرارها، ولا تراجعَ عن هذا القرار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى