أخبارمقالات

طلال محمد: عن النقد وأهميّته

الإنسان كائنٌ ناقدٌ بطبعهِ، سواءً كان متعلّماً أو أميّاً، عالماً أو جاهلاً، غنياً أو فقيراً، فالنقدُ لازمةٌ ترافقُ المرءَ طيلةَ حياتهِ بدءاً من الطفولةِ مروراً بالشبابِ وانتهاءً بالشيخوخة، ولا نظنُّ أن هناك مَن لم ينتقد شيئاً أو أمراً ما في حياته، حتى المجانين الذين نشفقُ عليهم ينتقدونَ أحياناً سلوكيات وتصرفات مَن يُعدّون من أصحابِ العقول.

غيرَ أن النقدَ مثله مثلَ أيّ ملكة عقلية أخرى، لابدَّ أن تتطوّر وترقى وتعلو، لتصبحَ أداةً ذكيّةً من أدواتِ بناء المجتمعات والدول والأوطان، وهذا التطوّر ينبغي أن يتضمّنَ الإجابة عن عدّة أسئلة أبرزها: ماذا ننتقد؟ وكيف ننتقد؟ ولماذا ننتقد؟. ومن دون ذلك، يبقى النقدُ مجرّد كلامٍ فوضويٍّ قد يؤدي إلى نتيجةٍ سلبيّةٍ أو هدّامة.

إن معرفةَ الجزئية التي تقتضي النقدَ، وكذلك طريقةَ التعبيرِ عن هذا النقد، وكيفيةَ توجيهه، والهدفَ منه، أمورٌ لابدَّ منها، كي يؤدي النقدُ دوره الإيجابي في عملية البناء، إذ من غير المنطقي أن يعمدَ ناقدٌ ما إلى محاولةِ نسفِ مشروعٍ معيّن بسبب جزئيةٍ صغيرةٍ محدّدة في هذا المشروع، أو أن يستخدمَ الشتائمَ والألفاظ المقزّزة معتبراً إياها نقداً، أو أن يحاولَ هدمَ مشروعٍ ما ظنّاً منه أنه يساهمُ في بناءهِ تحت مسمّى النقد.

النقدُ رسالةٌ نبيلةٌ في غايةِ الأهميّةِ والضرورةِ، ومَن يحملُ على عاتقهِ هذه الرسالة، إنما يجبُ عليه أن يضعَ نصب عينيهِ مهمةَ بناء مجتمعه بمختلفِ تفاصيلهِ السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والفنيّة والأدبيّة وغيرها من الأركانِ التي تُبنى عليها الأوطان.

وتالياً، فإن قدسيّة هذه المهمة تستدعي النظرة الموضوعيّة المدروسة في تناول نقاط الضعف أو الخلل ضمن أيِّ موضوعٍ أو مشروعٍ مطروح، بغيةَ تطويرهِ وإنضاجهِ وتنقيتهِ من الشوائب. وبهذا المعنى، يغدو النقدُ طبيباً معالجاً للمرضِ الذي يصيبُ جسدَ الموضوع أو المشروع، وليس مرضاً إضافياً ينخرُ عظامَ هذا الجسد.

إن أيَّ مشروعٍ سياسيٍّ أو اقتصاديٍّ أو اجتماعيٍّ أو غير ذلك، لا يمكن له أن يسلكَ طريقهُ نحو التمامِ والكمال، من دونِ وجودِ نقدٍ ناضجٍ يضعُ أصابعه على الثغرات والعثرات الموجودة ضمن هذا المشروع، وهو ما يعني أن النقد حاجة ماسّة وملّحة في عمليّة بناء أيّ مشروعٍ كان، وليسَ انتقاصاً من قيمة المشروعِ أو تقليلاً من شأنه، فالنقدُ المقصودُ هو أحد أصدقاء المشروع، وليس أحد أعداءه.

لا تطوّر ولا رقي من دونِ وجود نقدٍ ناضجٍ وهادف، ولا نقدَ من دونِ وجود أسسٍ وقيمٍ يُبنى عليها، وكلّما كان النقدُ ناضجاً مدروساً متزناً كلّما كان مشاركاً بعمق في بناءِ ما هو موضوع النقد، وبالمقابل، كلّما كان النقدُ رديئاً سخيفاً عبثياً، كلّما كان مساهماً في هدم ما هو موضوع النقد.. فالنقدُ طبيبٌ فاحصٌ يكشفُ عن المرضِ بهدف العلاج، ومَن أرادَ أن يكونَ طبيباً في حقلِ النقد، عليه أن يمتلكَ معدات الطبيب وخبرته وهدفه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى