مقالات

م. إبراهيم حسين أحمد: التوافق الكردي- الكردي ضرورة إدارية ومستقبلية

مرت الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا؛ بتحولات دراماتيكية كثيرة خلال الأزمة السورية، وفي فترة قصيرة، لا تتجاوز العشر سنوات، وكل ذلك كان بسبب تقاطعات المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة، فمن جهة أمريكا وروسيا اللتان لم تتفقا حتى الآن – ولو ظاهرياً – على صيغة نهائية لإنهاء الأزمة السورية، ومن جهة أخرى تركيا وإيران، كدول إقليمية لها مصالح توسعية في ظل الفوضى التي تعم معظم المنطقة، حيث إيران تطمح إلى تحقيق حلمها في الهلال الشيعي، وتركيا الطامحة إلى هلالها السني، بدعمها للإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة في كل أرجاء العالم، بل جاوزت ذلك إلى حلم أوسع، بعد تدخلها في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، وإرسالها للمرتزقة السوريين والليبيين إلى هناك للقتال إلى جانب أذربيجان، كما تؤكد التقارير الإعلامية، حتى المصوّرةِ منها.

وفي ظل ذلك التشابك، كانت الإدارة الذاتية القائمة في شمال وشرق سوريا، ضحية لتلك السياسات في الكثير من مناطقها، حيث قامت تركيا بعمليتها “درع الفرات” عام 2017 لمنع وصول نفوذ الإدارة الذاتية إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم تلتها عملية “غصن الزيتون” بدايات عام 2018 والتي فُقد فيها إقليم عفرين، نتيجةً لصفقة بين تركيا وروسيا، كانت إدلب فيها هي المقابل، ثم أخيراً، وقد لا يكون آخراً، عملية نبع السلام عام 2019 والتي احتلت فيها تركيا سريه كانية (رأس العين) وكريه سبي (تل أبيض) وما بينهما، كل ذلك أدى إلى إضعاف الإدارة الذاتية، وإعادتها للنظر في سياساتها تجاه كل ما يجري.

في ظل كل ذلك، كانت الأطراف السياسية الكردية المتمثلة بالمجلس الوطني الكردي، وأحزاب الإدارة الذاتية، تعيش حالة التناحر السياسي؛ والاتهامات المتبادلة حول مصير الشعب الكردي؛ والمنطقة، ورغم أن تلك الأطراف مرّت باتفاقيات سابقة، كـ هولير 1 عام 2012، وهولير 2 عام 2013، والتي نتج عنها (الهيئة الكردية العليا)، واتفاقية دهوك 1 عام 2014 والتي نتج عنها (المرجعية السياسية الكردية)، إلا إن ذلك لم يُسفر عن أي نتائج على الأرض، بالإضافة إلى بعض المبادرات المحلية، منها مبادرة اتحاد كتاب كردستان سوريا عام 2017، ومبادرة المؤتمر الوطني الكردستاني KNK نهايات عام 2018 لكن كلها لم تأت بنتيجة.

لكن جهود توحيد الصف الكردي لم تتوقف، حيث قام الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، وبعد العملية العسكرية التركية الأخيرة، بطرح مبادرة جديدة، وانطلقت حوارات توحيد الصف الكردي، وبدعم أمريكي واضح.، ووافق الطرفان الكرديان على بدء المباحثات، بشكل جدي.

واقعياً، هذه المباحثات قد تكون مصيرية بالنسبة لمنطقة شرق الفرات، فالمجلس الوطني الكردي؛ رغم تصريحاته بأن الحوار الكردي الكردي لن يؤثر على موقعه ضمن الائتلاف، لكن هذا الموقع في الفترة الأخيرة بالذات تعرض للكثير من التهميش والاحراج، خاصة بعد العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا، حيث لم يُعطَ للمجلس أي أولوية في إدارة تلك المناطق، بل أن بعض أعضائه تعرضوا للاعتقال من قبل الفصائل المسلحة في تلك المناطق، وظهور السيد فؤاد عليكو في عفرين عقب احتلالها، كان ظهوراً خجولاً، وكان واضحاً أن الهدف منه فبركة إعلامية من أجل الترويج لفكرة أن الكرد مصانون في تلك المناطق، والعكس ما حصل، فعمليات التغيير الديمغرافي لا زالت مستمرة حتى هذه اللحظة بحق أهالي عفرين، وهذا ما يراه المجلس الوطني الكردي، ويرقبه بصمت.

ولم يختلف الوضع عند احتلال سريه كانيه (رأس العين) وكريه سبيه (تل أبيض)، مما حدا بالمجلس إلى عقد اتفاقٍ مع “الائتلاف الوطني السوري” المعارض لضمان عودة نازحي مدن وبلدات شمال شرقي سوريا الذين هجروا وفروا من منازلهم، لكن كل ذلك لم يتحقق، مما عمّق الشرخ الحاصل بين المجلس والائتلاف، إن وجود المجلس الوطني الكردي ضمن الائتلاف بات شكلياً، ويقتصر دوره على التمثيل الرسمي للقضية الكردية ضمن المحافل الدولية، رغم وجود الكثير من إشارات الاستفهام التي توضع على كيفية هذا التمثيل.

الوقائع على الأرض، جعلت من المجلس الوطني الكردي يصل إلى قناعة أن التوافق الكردي الكردي بات ضرورة مستقبلية يجب الوقوف عليها بجدية.

من جهتها، أحزاب الإدارة الذاتية مع شعوبها؛ ورغم تحقيقها للكثير من المنجزات والمكتسبات خلال سنوات الأزمة السورية، لكنها أيضاً تمرّ بمرحلة حرجة، خاصة بعد الاجتياحات التركية الأخيرة، فقد أدركت أنها تعيش عزلة سياسية، لا بدَّ من كسرها، وأن تركيا لن تتردد في القيام بعملية عسكرية أخرى، إذا لم يتم إشراك بقية الأطراف الكردية في إدارة المنطقة، خاصة أن حزب الاتحاد الديمقراطي متهمٌ من قبل تركيا أنه تابع لحزب العمال الكردستاني، وأنه الوحيد الذي يقوم بإدارة المنطقة، وحتى لو كان هذا الادعاءُ كاذباً، لكن تبقى التهمة قائمة، طالما أن هناك دولة قوية كتركيا لها مصالح مع الدول العظمى تصرُّ على هذه التهمة.

ثم أن الواقع الإداري لدى الإدارة الذاتية بات بحاجة إلى تنظيم أكثر، خاصة بعد استبعاد فكرة الفيدرالية التي بدأت في عام 2017، حيث جرت انتخابات مجالس الكومينات والمجالس المحلية، وهذا ما نظّم العمل الإداري المؤسساتي ضمن الإدارة، وكان الرضى واضح لدى جميع الأحزاب المشاركة، باستثناء أحزاب المجلس الوطني الكردي، التي لم تشارك، لكن تلك الانتخابات حددت فترة عمل تلك المجالس بسنتين، وبعد مرور تلك الفترة، عمَّ نوعٌ من عدم التنظيم في توزيع الحصص، وهذا ما بات واضحاً في الفترة الأخيرة، حيث تتم التعيينات الإدارية بدون الرجوع إلى أحزاب الإدارة الذاتية الأخرى. لذلك فإن التوافق الكردي الكردي سيعطي المجلس الوطني الكردي حقوقاً في المشاركة ضمن الإدارة الحالية، مما سيعطي طابعاً تنظيمياً جديداً للإدارة الذاتية، هذا الطابع سينعكس إيجاباً على الأحزاب الموالية للإدارة الذاتية أيضاً.

التوافق الكردي الكردي ضرورة مستقبلية، لأنه لا خيار لدى الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي غير ذلك، وهذا التوافق قد يكون أيضاً خطوة نحو حلٍّ شامل للأزمة السورية، والمشاركة ككتلة سياسية واحدة في المستقبل السوري. وهو ضرورة إدارية؛ لكسر حالة الجمود التي أصابت هياكل الإدارة الذاتية، وبالتالي تطوير المؤسسات بما يناسب المرحلة، وفي النهاية .. قد يكون التوافق الكردي الكردي أساساً لحماية تجربة الإدارة الذاتية كلها في ظل التحديات الراهنة.

المصدر: آدار برس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى