ما بعد تمرد “فاغنر” ليس كما قبله.. كيف ستبدو “روسيا بوتين”؟
بعد يوم من انسحاب مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة من مدينة روستوف جنوبي روسيا ووقف زحفها نحو موسكو بموجب اتفاق أنهى تحديا لم يسبق له مثيل، ثارت تساؤلات الأحد عن مدى إحكام الرئيس فلاديمير بوتين قبضته على السلطة.
وبموجب الاتفاق، الذي توسط فيه رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، عاد مقاتلو “فاغنر” إلى قواعدهم في وقت متأخر مساء السبت مقابل ضمانات لسلامتهم، في حين سينتقل زعيمهم يفغيني بريغوجين إلى بيلاروسيا، مما أنهى تمردا قصير الأمد.
وأشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد، إلى أن الاضطرابات في روسيا “لم تنته بعد على الأرجح وقد تستغرق أسابيع أو شهورا”، كما قال وزير الخارجية الإيطالي إن هذا التمرد حطم “أسطورة” وحدة روسيا.
ولم يدل بوتين بأي تصريحات علنية منذ إبرام الاتفاق لتهدئة الأزمة، التي أثارت تساؤلات كبرى إزاء مدى إحكام الرئيس الروسي قبضته على بلد يحكمه بيد من حديد منذ ما يزيد على عقدين.
وبث التلفزيون الروسي الرسمي، الأحد، مقتطفات من مقابلة قال فيها بوتين إنه يعطي أولوية قصوى للصراع في أوكرانيا، وإنه على اتصال دائم بوزارة الدفاع، لكن المقابلة كانت مسجلة قبل وقوع التمرد فيما يبدو، إذ لم يشر خلالها إلى الأحداث التي وقعت السبت.
وأضاف التلفزيون الرسمي أن بوتين سيحضر اجتماع مجلس الأمن الروسي بعد أيام، من دون الخوض في تفاصيل.
وقالت وكالة “بيلتا” للأنباء في بيلاروسيا إن لوكاشينكو تحدث هاتفيا صباح الأحد مع بوتين، بعد أن تحدث الزعيمان مرتين على الأقل السبت.
وشوهد بريغوجين (62 عاما) وهو يغادر المقر العسكري في منطقة روستوف الواقعة على بعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب من موسكو في ساعة متأخرة من مساء السبت، في سيارة رياضية متعددة الاستخدامات، لكن لم يتضح حتى الآن مكان وجوده الأحد.
وقال بريغوجين، الحليف السابق لبوتين الذي سبقت إدانته وخاضت مجموعته أشرس المعارك في حرب أوكرانيا المستمرة منذ 16 شهرا، إن قراره الزحف نحو موسكو كان يهدف إلى طرد القادة الروس “الفاسدين وغير الأكفاء” الذين يلومهم على إفشال الحرب في أوكرانيا.
تصدعات ظاهرة للعيان
وعبر زعماء غربيون عن قلقهم حيال الاضطرابات في روسيا، التي تملك أكبر ترسانة نووية في العالم، حيث:
- قال بلينكن لبرنامج “ميت ذا بريس” على شبكة “إن بي سي”، الأحد: “نرى المزيد من التصدعات في روسيا. من السابق لأوانه معرفة ما ستفضي إليه أو موعد ذلك. لكن من المؤكد أن لدينا كل أنواع التساؤلات الجديدة التي سيتعين على بوتين إيجاد حلول لها في الأسابيع أو الأشهر المقبلة”.
- تابع بلينكن: “تركيزنا ينصب بلا هوادة وبتصميم على أوكرانيا لنتأكد من أن لديها ما تحتاج إيه للدفاع عن نفسها واستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا”.
- قال وزير الدفاع الأوكراني أولكسي ريزنيكوف إنه ناقش الاضطرابات في روسيا في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي لويد أوستن، الأحد، ووصف السلطات الروسية بأنها “ضعيفة”، مشيرا إلى أن الأمور “تسير في الاتجاه الصحيح”.
- كتب ريزنيكوف على “تويتر” يقول: “نرى أن السلطات الروسية باتت ضعيفة وأن انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا هو الخيارالأفضل للكرملين”.
- لم تشر الصين، وهي حليف أساسي لبوتين، في البداية علنا للاضطرابات، لكنها في النهاية قالت بعد محادثات مع دبلوماسي روسي كبير في الصين، الأحد، إن بكين تدعم حفاظ روسيا على استقرارها الوطني.
بعد السيطرة على روستوف، مركز الإمداد والتموين الرئيسي لعمليات الغزو، توجه مقاتلو “فاغنر” سريعا شمالا، فيما سماه بريغوجين “المسيرة من أجل العدالة”.
وأظهر مقطع مصور المقاتلين وهم ينقلون الدبابات والشاحنات المدرعة، ويحطمون الحواجز التي أقيمت لمنعهم قبل التوصل إلى اتفاق انسحابهم.
وأظهرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي من روستوف خلال الليل، انسحاب قوات “فاغنر” من المدينة في رتل من العربات المدرعة والدبابات والحافلات على أصوات هتافات “فاغنر”، ووسط إطلاق نار تعبيرا من السكان عن فرحتهم، وصاحت امرأة: “اعتنوا بأنفسكم”.
وتمكنت “رويترز” من التحقق من موقع المقاطع المصورة، لكن لم يتسن لها التحقق من تاريخ تصويرها.
وبرز إظهار الدعم لتمرد “فاغنر” قصير الأمد صادما، في بلد لا تسامح يذكر به مع الانتقاد العلني لبوتين وحكمه.
وساد الارتياح المزاج العام في شوارع روستوف، الأحد، وقال أحد السكان: “كان الأمر مخيفا. الجميع سعداء بعدم وقوع أمر سيئ. ولم يصل الأمر لحد اشتباك مسلح. هناك مشكلات عويصة في البلاد تحتاج إلى حلول”.
وفي موسكو، لم يكن هناك الأحد مؤشرا يذكر على تشديد الإجراءات الأمنية، وعبر البعض عن تفهمهم إلى حد ما لموقف بريغوجين.
وقال أحد السكان: “آراء شخص له ثقل معين في المجتمع يجب على الأرجح أن تلقى آذانا مصغية من السلطات”.
وأُعلن يوم الإثنين عطلة في العاصمة الروسية، لإتاحة الوقت لاستيعاب الأزمة.
التوصل إلى الاتفاق
- بموجب الاتفاق المبرم في وقت متأخر من مساء السبت، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الدعوى الجنائية بحق بريغوجين وتتهمه بالتمرد المسلح ستُسقط، وسينتقل إلى بيلاروسيا، ولن يواجه مقاتلو “فاغنر” الذين انضموا إلى المسيرة أي إجراء تقديرا لخدمتهم السابقة لروسيا.
- قال بيسكوف إن لوكاشينكو عرض التوسط بعد موافقة بوتين لأنه “يعرف بريغوجين شخصيا منذ نحو 20 عاما”.
- كان بوتين قد قال في خطاب بثه التلفزيون السبت إن التمرد يعرض وجود روسيا ذاته للخطر، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنه.
- اتهم بريغوجين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وكبار القادة العسكريين على مدى أشهر بانعدام الكفاءة، وحرمان قواته من الذخيرة وهي تحارب من أجل السيطرة على باخموت في أوكرانيا.
- تحدى بريغوجين هذا الشهر أوامر بتوقيع عقد يضع قواته تحت قيادة وزارة الدفاع، وبدأ التمرد الجمعة بعد أن قال إن الجيش قتل بعضا من رجاله في ضربة جوية، بينما نفت وزارة الدفاع ذلك.
- تضم مجموعة “فاغنر” آلاف المسلحين من السجناء الروس السابقين، ووسعت المجموعة نشاطها عالميا، إذ باتت لها مصالح في قطاع التعدين ومقاتلين في إفريقيا والشرق الأوسط.
ماذا بعد؟
قالت مارينا ميرون من قسم دراسات الدفاع في “كينغز كوليدج” في لندن لـ”رويترز”، إن العثور على بديل لتلك العمليات سيستغرق وقتا، وبالتالي “قد يبقى بريغوجين ليواصل قيادتها لبعض الوقت”.
وأضافت أنها ترى أن النهاية السريعة للاضطرابات تشير إلى أن حكم بوتين لن يتعرض للإضعاف والتقويض بتلك الأحداث وحدها.
لكن زعماء غربيين اعتبروا أن أحداث السبت أضعفت بوتين وقوة بلاده القتالية في أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني في مقابلة مع صحيفة “إل ميساجيرو” الإيطالية، إن بوتين “هو من هيأ الظروف للأحداث التي وقعت، من خلال السماح لبريغوجين على مدى سنوات عديدة ببناء مثل هذا الجيش الخاص الهائل”.
وكتب تاياني: “أسطورة وحدة روسيا في عهد بوتين انتهت. أحدث هذا التصعيد الداخلي انقساما عسكريا روسيا. إنها النتيجة الحتمية عندما تدعم وتمول فيلقا من المرتزقة”.
المصدر: سكاي نيوز.